نعيش
اليوم فترة تصحيح على مستوى كبير وعالي في مملكتنا الحبيبة، هذا التصحيح والذي
تجسد في (رؤية 2030) تناول العديد من القطاعات والخدمات التي تصب في مصلحة المواطن
أولاً وأخيراً. وعلى الرغم من حالة التفاؤل التي يعيشها أغلبنا تجاه هذه الرؤية،
هناك ايضاً بعض الملاحظات والآراء حول بعض التوجهات في هذا القطاع أو ذاك. وإن
كانت هذه الملاحظات والآراء لا تخرج عن إطار البحث نحو الأفضل، ولتفادي بعض
العقبات التي ممكن أن تظهر. من هذه الملاحظات في رأيي، هو موضوع (تطوير الريف)
والذي لم يحظى بأهمية كبرى ضمن رؤيتنا. قد يرى البعض أن القرية أو الريف عموماً،
ليس بهذه الأهمية خصوصاً في هذه المرحلة التأسيسية، إلا أن إغفاله من المنظومة قد
يسبب بعض العقبات التي قد تعكر صفو النتائج بالشكل المطلوب
تتمتع
السعودية بمناطق ريفية تعد ذات تقييم عالي على مستوى الأرياف، سواء من خلال
أراضيها الزراعية، معدلات الأمطار السنوية، أو حتى من تكوينها العمراني. هذه
المقومات تشكل مفاتيح إستثمارية محلية، قد تساهم في تسريع عمليات تطوير الهيكل
الإقتصادي المراد تحقيقه وفق رؤيتنا. ليس هذا وحسب، بل أن تطوير الريف، قد يساعد
على تقديم حلول لمشكلات عمرانية نعاني منها اليوم، وتمثل قضايا محورية، حتى على
مستوى الرؤية، كقضية الإسكان على سبيل المثال. فمن المعروف أن قضية الإسكان شبه
متمركزة في المدن الرئيسية، والسبب البديهي في ذلك هو زيادة عدد سكان هذه المناطق،
مقارنة بالمدن الثانوية أو القرى. أي نعم أن هذا ليس العامل الوحيد لقضية الإسكان،
إلا أنه يعد من العوامل الرئيسية، ولو تتبعنا عملية زيادة السكان للمدن في السنوات
الماضية، لوجدنا أن الهجرة الداخلية تعد المحرك الأساسي لهذه الزيادة، فلكون معظم
الوظائف والجامعات والفرص، تمركزت لفترة طويلة في المدن الرئيسية، ساهم هذا التمركز
في الإنتقال إلى المدينة بحثاً عن الأفضل. وحتى اليوم .. وعلى الرغم من تنفيذ بعض
السياسات نحو تخفيف الضغط على المدن، كإنشاء الجامعات في المدن الثانوية وتوزيعها،
تظل الفرصة الأكبر في المدن الرئيسية بالنسبة للوظائف أو العمل، رغم أن الكثير
يفضل البقاء بالقرب من محل إقامتهم الأصلية.
في
رأيي، أن تطوير الريف، يجب أن يأخذ بعد آخر، يتجاوز الإطار (الزراعي) إلى إطار
واسع وشامل، يشمل العديد من المحاور الأخرى كالصناعات المحلية، الخدمات، السياحة
وغيرها من المحاور الإقتصادية، التي يمكن تأسيسها ضمن إطار (محلي). والتي يمكن
تفعليها من خلال حاضنات ومحركات أعمال، تساهم في نقل منتجاتها أو خدماتها للمدن،
بهدف زيادة المورد المحلي في السوق، عوضاً على الإعتماد على السلع المستوردة حتى
في أبسط أشكالها. لا شك أن التكاليف التشغيلية لأي عمل ستكون أقل في القرية عنها
في المدينة، وهو ما يعني أن قروض الدعم مثلاً، قد توجد أعمال صغيرة وذات دخل مناسب
مقارنة بمستوى المعيشة والمصاريف. هذه المنظومة ستساعد وعلى المدى البعيد نحو
إعادة (المنتج المحلي) ولو في حدود بسيطة. وستساعد أيضاً في تخفيف العبء على
الكثير من المشكلات التي نعاني منها في مدننا اليوم.
إلا
أن هذه (النظرة المتفائلة) لن يمكن أن تتحقق، بدون وجود إستثمار مباشر لهذه
المناطق بهدف التطوير، ولا أقصد هناك التطوير الظاهري وحسب، بل أتحدث عن البنية
التحتية والفوقية، على نوعية الخدمات، السكن، الصحة والتعليم. وهو ما يمكن تنفيذه
بتكاليف محددة ووفق سياسة عدم (التوسع) للقرية أو نموها بشكل مبالغ فيه، سينتج عن
هذه السياسات وجود العديد من القرى التي تتميز بمميزات يفتقدها الكثير من سكان
المدينة اليوم، كجودة الحياة، والإستدامة وتقليل التصادم مع البيئة، وقلة نسبة
التلوث وغيرها، من القضايا التي نحاول أن نحلها في مدننا المكتظة، والتي يتطلب
حلها أضعاف تكلفة تطوير هذه القرى مجتمعة. وهو ما سيجعلها مناطق جذب حتى للكثير من
سكان المدينة، فالإنسان بطبعه باحث عن الفرص والحياة الكريمة.
العديد من الأفكار يمكن أن تطبق في إطار هذا التطوير للأرياف، إبتداءً من
البناء بالمواد المحلية وتقليل قيمة المسكن، وإنتهاءً بجودة الحياة وزيادة معدلات
الصحة للأفراد. إلا أن هذه الأفكار ستظل (أفكار) مالم تخضع لغربلة تنفيذية بنفس
مستوى التفاعل مع المحاور والقضايا الأخرى التي شملتها الرؤية.