2017/04/18

نظام حافلات سريعة.. هو ما تحتاجه المدن السعودية

م.حسان الأهدل
شهدت المملكة العربية السعودية، في السنوات الماضية، حركة نزوح واسعة من المناطق الريفية الى المناطق الحضرية. إذ دفعت الأسباب الاجتماعية والاقتصادية بعدد كبير من الناس إلى الانتقال للمدن رغبة منهم بتحسين المستوى المعيشي وايجاد فرص عمل وتعليم لائقة. فارتفعت نسبة سكان المدن بشكل ملحوظ من (20%) من مجمل سكان المملكة في عام (1950) إلى أكثر من (80%) حالياً. ويتوقع أن تتخطى هذه النسبة الـ(90%) مع حلول عام (2050م). وأدت هذه العوامل أيضاً إلى ارتفاع كبير في عدد المركبات وإلى أزمات مرور خانقة في المدن وبالتالي إلى حاجة متزايدة لتأسيس نظام نقل عام. فتقرر في عام (2014) إنشاء أول شبكة مترو في المملكة في مدينة الرياض، بتكلفة تقدر بـ (22) مليار دولار وبطول إجمالي يساوي (176) كيلومتر. ويعتبر مشروع مترو الرياض أحد المشاريع الرائدة في مجال النقل العام في المملكة يهدف إلى توفير خدمة شاملة من خلال محطات متعددة. ومع ذلك، إلا انه وبعد مرور أكثر من عامين على بدء أعمال البناء،

مازالت معظم شوارع الرياض الرئيسية مشلولة الحركة. ويستمر هذا الوضع في السنوات الثلاث القادمة لحين الانتهاء من أعمال البناء. وقد بدأ التخطيط أيضاً لإنشاء شبكات مترو في مدن المملكة الأخرى، كمدينة جدة على سبيل المثال. في الواقع، لم تر المدن السعودية حتى الأن نظام نقل عام فعال، فالسيارات الخاصة هي الوسيلة الرئيسية للتنقل في المملكة، إذ انها تتيح عوامل لا يمكن أن يتخلى عنها المجتمع السعودي بسهولة وهي الخصوصية وحرية التنقل بشكل مستقل. وباعتبار المجتمع السعودي من المجتمعات المحافظة، من المتوقع أن يحتاج الأفراد لبعض من الجهد والوقت لاعتماد نظام النقل الجديد والتكيف معه. لذلك فمن الضروري أن تأخذ السلطات بعين الاعتبار أي نتائج مستقبلية قد تأثر على كفاءة عمل مثل هذا المشروع، مثال لبعض العوامل المؤثرة كالتغيرات السكانية والرأي العام. في هذا السياق، نقترح نظام نقل بديل وفعال يلائم المدن السعودية أكثر من المترو وهو (Bus Rapid Transit) أو حافلات النقل السريع، إذ أنه أقل تكلفة من المترو ولا يحتاج إنشاؤه لمدة طويلة. بالإضافة الى ذلك، فإنه يتناسب مع رؤية المملكة لعام (2030) بما انه يوفر سرعة وقدرة استيعابية مماثلة لتلك التي تقدمها السكك الحديدية. كما أن لحافلات النقل السريع مسارات محددة لا يمكن للسيارات الأخرى السير عليها، ومحطات خاصة ونظام تذاكر يُسهل عملية الصعود والخروج من الحافلة. أما في ما يخص التكلفة، فيمكن للمملكة إنشاء ما يفوق ألاثني عشر شبكة لحافلات النقل السريع بتكلفة مترو الرياض الواحد. ويعتبر طلب الجمهور على هذا النوع من الرحلات من العوامل الهامة في دراسة نظام النقل العام في المملكة. فمثلما ذكرنا سابقاً، يحتاج المجتمع السعودي لوقت أكثر من غيره للتكيف مع هكذا تغيرات. لذا فيجب الـتأني عند اتخاذ قرارت تتعلق بمشاريع ذات طابع تغييري للنمط المعيشي السعودي. وهنا يتفوق نظام حافلات النقل السريع أيضاً على غيره من شبكات النقل العامة، بتكلفته الإنشائية المتدنية بعكس المترو الذي قد يسبب خسائر ضخمة في حال لم يتقبله المجتمع السعودي بسبب حاجته لرأس مال كبير. وهناك خيار السكك الحديدية الخفيفة (LRT)  الذي يقترحه الخبير في مشاريع النقل السريع (ادموند كاسيدي) باعتباره أقل تكلفة من المترو. الا انه ومع ذلك، تبقى تكلفة بناء حافلات النقل السريع أدنى، بل لا تتعدى نصف تكلفة نظام السكك الحديدية الخفيفة. وتبقى مدة انشائه أقصر من أي نظام آخر، فيوفر بالتالي المال ويقي من الازدحام المروري. في عام (2009) سجلت تكلفة إنشاء نظام حافلات النقل السريع معدل (10,9) مليون دولار لكل كيلو متر، في المقابل كانت تكلفة مترو دبي في السنة نفسها (92) مليون دولار لكل كيلو متر. حالياً، يتوقع أن ينتهي بناء مترو الرياض بتكلفة إجمالية تساوي (126) مليون دولار لكل كيلو متر، وإذا ما قارنها بتكلفة النقل السريع بالحافلات، نلاحظ أن تكلفة نظام حافلات النقل السريع أوفر باثني عشر مرة من تكلفة مترو الرياض. مع انخفاض أسعار النفط العالمية وتأثيره على الاقتصاد السعودي، ازدادت الحاجة الى رؤية سعودية جديدة للمستقبل القريب، فتم إقرار رؤية (2030) الهادفة إلى مواجهة التغيرات عبر مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح. ويعتبر هدف  الرؤية الأهم، تمكين المملكة من السيطرة على قراراتها الاقتصادية والمالية. (قوام)، هو أحد برامج الرؤية الأساسية الذي يهدف إلى زيادة كفاءة الإنفاق والاستخدام الفعال للموارد والحد من الهدر. وهنا، يكون اعتماد نظام النقل السريع بالحافلات متماشياً مع مبادرة )قوام) عبر المبالغ الهائلة التي سيوفرها على المملكة وبالتالي فسيكون مثالاً للمشاريع التي تتحدث عنها (رؤية 2030). مع أنه أحد أنظمة النقل الأكثر كفاءة، لنظام حافلات النقل السريع بعض السلبيات أيضاً كتكاليف التشغيل والصيانة التي من الممكن أن تكون مرتفعة على المدى الطويل، مقارنة بالمترو، وصعوبة تعيين ممرات للحافلات في بعض المدن السعودية. الا أنه إذا قمنا بمقارنة سلبيات هذا النظام بالإيجابيات التي يقدمها، خاصة مع الركود الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط العالمية، نجد أن فائدته أعلى في معظم المدن السعودية، وأنه من الضروري تقييم أدائه وفعاليته، قبل الشروع بإنشاء المزيد من شبكات المترو. فبتكلفته المنخفضة، وسرعة تنفيذه وسهولته في التعديل والتطوير، وانسجامه مع (رؤية 2030) قد يكون نظام حافلات النقل السريع النظام الأفضل للمدن السعودية.