ظهر
مصطلح (المباني الخضراء) في السنوات الماضية كدلالة على التوافق بين العمارة
والبيئة في العالم المعاصر، هذا المصطلح حمل العديد من المفاهيم والتقنيات الحديثة
التي ساهمت في تحقيق هذا التناغم والتوافق على أرض الواقع، إلا أن البعض يرى أن
التوافق البيئي ليس من الضرورة أن يكون من خلال (المباني الخضراء) بمفهومها التقني
المعاصر، في هذه الصفحات سنحاول إستعراض بعض الملامح المهمة والتي تفرق بين
المباني الخضراء والمحلية.
مفهوم
المباني الخضراء:
تعرف
وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)
المباني الخضراء على أنها "المنشئات التي تعتمد أو تستخدم عمليات ذات إطار
بيئي تساهم في تقليل استهلاك الموارد البيئية خلال دورة حياة المنشئة"، أي
خلال مراحل التصميم، التنفيذ، التشغيل، الصيانة، الترميم والإزالة. حيث تهدف في
مجملها إلى عدد من الأهداف الرئيسية: 1- تقليل إستخدام (الطاقة/المياه/المصادر
الطبيعية) 2- الحفاظ على الصحة الإنسانية وزيادة الإنتاج البشري 3-إعادة تدوير
المخلفات. وعلى الرغم من أن بعض المختصين يرى أن هناك أهداف إضافية يمكن إدراجها
لمهمة المباني الخضراء، إلا أن هذه الأهداف تشكل الملامح العامة لها.
مفهوم
المباني المحلية:
يعرف
(مايكل سميث) المباني المحلية في كتابة (المباني المحلية كقضية) (2000) على أنها
" المباني التي يتم تنفيذها بطرق ومواد (محلية) والتي تعتمد على عدد من
المحددات الأساسية مثل التوافق البيئي، ملائمة المناخ والموقع الجغرافي، بالإضافة
إلى أنه تلبي خصائص وإحتياجات المجتمع أو المستخدمين" حيث تشكل (المواد) و
(أسلوب البناء) المحورين الأساسيين للحكم على المباني المحلية وتصنيفها. وعلى
الرغم من أن مفهوم المباني المحلية يعتبر من المفاهيم القديمة في الحضارة
الإنسانية، إلا أن عملية التطوير أخذت منحنى متدني مع سنوات الإزدهار الصناعي في
العالم، وظهور المنشئات المعقدة (المباني الغير سكنية)، الأمر الذي ساهم في تقليل
الإعتماد على هذا التوجه لعدم ملائمة التحولات الحضارية والعمرانية للمجتمعات.
نظرة
مقارنة:
ظهرت
العديد من الدراسات حول المقارنة بين المباني الخضراء والمحلية ضمن إطار المحصلة
النهائية والفائدة في سياق الإستدامة، بعض هذه الدراسات أشار إلى عدد من العوامل،
كالعامل الإقتصادي والعامل التشغيلي وحتى العامل الثقافي والإجتماعي،والتي تشكل
علامات فارقة في تحقيق مفهوم الإستدامة. إلا أنه وبعد الإطلاع على عدد من المقالات
والأبحاث العلمية، يمكن تحديد عدد من العوامل الرئيسية التي تساهم في وضع قاعدة
للمقارنة بين المباني الخضراء والمباني المحلية.
العامل
الإقتصادي:
يعتبر العامل الإقتصادي من أكثر العوامل حساسية في المقارنة بين المباني
الخضراء والمحلية، فنسبة الزيادة في التكلفة للمباني الخضراء عن المباني العادية
(المباني من الخرسانة المسلحة) تسجل من (4-9%) تكلفة إضافية في أقل المستويات، وقد
تزيد في بعض الحالات. وعلى
الرغم من أن النسبة تتفاوت، بسبب الأنظمة والتقنية المستخدمة، والتي أيضاً تعتمد
على حجم المشروع نفسه، إلا أنه لا يمكن النظر لهذه النسبة بشكل ثابت، حيث سجلت
الكثير من الدراسات أن نسبة التوفير للمباني الخضراء، تعوض هذه الزيادة خلال فترة
التشغيل والصيانة، وهو ما يمكن إعتباره إستثمار طويل الأجل، في المقابل تسجل
المباني المحلية نسبة منخفضة في التكلفة عن المباني العادية بواقع يصل إلى
(25-30%) ورغم فارق النسبة العالي، إلا أن هناك عوامل ثانوية تقلل من فعاليتها على
أرض الواقع، فالعمر الإفتراضي وتكاليف التشغيل والصيانة وحتى الترميم، قد تضاف
خلال السنواتكتاليف لتعادل التكلفة للمباني العادية أو تقل عنها بنسبة قليلة،
بالإضافة إلى عدم إمكانية المباني المحلي لتلبية العديد من متطلبات المشاريع
خصوصاً الكبيرة والمعقدة منها.
العامل
الإجتماعي والثقافي:
قد
تكون المباني المحلية أقرب إلى تجسيد البعد الثقافي والإجتماعي للمجتمعات، كونها
تمثل إستمرارية لتميز المجتمع سواء من حيث إشباع الرغبات والإحتياجات الإجتماعية
والثقافية، كقضية الهوية والمحلية التي تشكل عاملاً مهم في العمارة، يقل هذا
العامل في المباني الخضراء، التي عادة ماتسعى لتحقيق الأهداف بغض النظر عن التوافق
الإجتماعي والثقافي ضمن مفهومها العام، وليس هذا المفهوم دائماً ثابت، فهناك حالات
استطاعت فيه الجمع مابين المحورين بشكل جيد وممتاز، حيث يعود ذلك إلى عوامل أخرى
تتعلق بالمصمم والمالك وحتى في كثير من الأحيان المستخدم.
العامل
البيئي:
قد
يكون العامل البيئي من أهم العوامل في المقارنة، فالمباني المحلية وبسبب كفاءتها
العالية ضمن الإطار الإيكولوجي، تتميز بموافقتها وملائمتها للبيئة، سواء من حيث
البناء أو حتى من حيث أعادة التدوير، إلا أنها لا تحقق نسب عالية جداً في العوامل
الآخرى التي تحققها المباني الخضراء، كأنظمة تدوير المخلفات أو تقليل إستخدام
الطاقة بالكفاءة العالية، وهو ما يعد من مميزات المباني الخضراء في تحقيق متطلبات
ومتغيرات العالم المعاصر.
نتائج
عامة:
على الرغم من فعالية المباني المحلية ضمن إطار الحفاظ على البيئة، إلا أنها
وبالتقنيات الحالية والبدائية لها، لا تمثل خيارا واسعاً للمنشئات على اختلافها،
عكس المباني الخضراء التي تتمتع بمرونة عالية في تحقيق أقصى درجات الملائمة
للمتطلبات من المنشئات، قد يكون من المفيد أن يتم تطوير المباني المحلية ضمن
الإطار السكني مثلاً، كونه يلائم جداً الإحتياج السكاني ضمن عوامل إقتصادية وإجتماعية وثقافية وضمن إطار بيئي، بعكس المباني الخضراء التي قد تكون غير
مرنة ضمن هذا الإطار وبتكاليف عالية.