مقال لـ : م.عبدالله ضيف الله
ما يدعني أتنبأ بهذا الأمر، هو الحالة التي وصلت إليها المدن الكبرى من
ازدحام وتلوث وارتفاع في الأسعار، والتي قد تمهد الطريق إلى نشوء ظاهرة مدن
الأطراف. التاريخ علمنا أن المدن البريطانية والأمريكية كانت تمر في حقبة الستينيات
بما نمر به اليوم في مدننا, حيث أن أمور إدارة المدينة في تلك الحقبة كانت صعبه،
ولم تعد الإدارات بمختلف أقسامها قادرة على كبح جماح التواجد البشري الهائل داخل
المدن الحضرية، والتي أدت إلى تدهور البيئة المبنية ونظام المواصلات، وهو ما
نشاهده اليوم في مدن مثل الرياض وجدة.
اليوم لم يعد من السهل انجاز مهمتين أو ثلاث في
نفس اليوم, لأن الازدحام المروري سيقف عائقاً. على نفس المنوال, حلم تملك بيت في
المدن أصبح حلماً صعب تحقيقه، وان تحقق سيكون بكلفة عالية، وهذا أمر طبيعي في سوق
قليل العرض كثير الطلب. ولا ننسى كذلك الفصل بين الاستخدامات في أحياءنا السكنية،
هذا الفصل الذي جعل منها أحياء مملة وفرغها من مبدأ "الحيوية"، والذي هو
لب سر حياة المدن. ناهيك عن البنية التحتية التي لم تعد كافية لمتطلبات السكان
العصرية بسبب الطلب الهائل عليها.
هذه العوامل ستؤدي في المحصلة إلى ازدهار للأطراف، فلو تتبعنا سوق الشقق
المستأجرة فسنجد أن طبقة الشباب ذوي الدخل المحدود يتجهون إلى أطراف المدن بسبب
سعر الإيجارات المنخفض مقارنة بالإيجارات داخل المدن. على سبيل المثال لو شاهدت أحياء
أطراف جدة (كحي السنابل والأجاويد بالجنوب أو المحمدية بالشمال) ستجد ازدهارا لسوق
"الإيجار" هربا من الأسعار بداخل المدينة. هذا النمط الحالي من الازدهار
الطرفي هو ما يسمى "التمدد العمراني السلبي" وهو تمدد خطير سيضر بجميع
النواحي، والغرب يعرف مدى ضرره وهم الآن يعالجون أثاره.
رسوم الأراضي البيضاء الآن تعد خطوة ممتازة لتسريب الأراضي البيضاء القريبة
من المركز الى السوق واستغلالها تخطيطيا، في محاولة لكبح جماح التمدد الطرفي. بدلا
من أن يتجه الشباب إلى الأطراف، نحتاج خلال الفترة القادمة تشجيعهم للاتجاه نحو
المركز. هذا التغيير في التوجه التنموي سيكون في صالح جميع الأطراف كالسكان
والمطورين والمدينة ومشروع المترو القادم والحديث في ايجابيات ذلك يطول. ولكن هل
هذا يعني إيقاف النمو الطرفي؟ بالطبع لا، فلا توجد مدينة عظيمة بدون ضواحي، ولكن
عندما تقرأ التجربة البريطانية والألمانية في الفترة من (1800م الى 1930م) على وجه
الخصوص، ستجد أن الدرس المتعلق بالنمو الطرفي هو: لا تبني أطرافا أو ضواحي مرتبطة
بالمدينة الأم بل اجعلها منفصلة "ذاتيا"، حينها فقط التنمية الطرفية
تتحول إلى تنمية ايجابية.
توجيه المدن تنمويا للداخل أمر يحتاج إلى مبادرات سريعة، والتباطؤ في هذا الأمر
سيكون على حساب مدننا. من يقرأ في نظريات التحضر سيدرك جيدا أننا في عصر إعادة
التنظيم (Reordering )
فالتقدم التكنولوجي والزيادة السكانية المتسارعة، سبقت تفكيرنا الحضري وحان الوقت
لضبط النفس والتفكير في اتجاهنا الحالي وإعادة التمركز، ولعل العاصمة الرياض فعلت
هذا بإعلانها عن مشروع تطوير وسط المدينة تحت الهدف العام " إعادة السعوديين
للمركز".