قد تقف كثيراً عند هذا التجمع العمراني إن صح
لنا القول، ليس لأنها ذات مميزات حضارية، ولكن لكونها صممت وفق توجه بيئي نحو
إيجاد مكان أفضل للعيش. (Poundbury) تعتبر بمثابة تقليد إنجليزي جمع بين رؤيتهم
للمستقبل وتمسكهم بالتقاليد، هي رؤية أكثر من كونها امتداد عمراني لوحدات سكنية.
الجذور:
بدأت فكرة (POUNDBURY)
في السبعينات من القرن العشرين، وذلك عندما كان هناك رغبة من مدينة (Dorchester)
في التوسع العمراني للمدينة. جاءت الفكرة من الأمير تشارلز الذي كان وقتها قد أصدر
كتابه ( The
Vision of Britain)، كانت الفكرة هي إيجاد بيئة عمرانية تقوم
على إحياء المفهوم التقليدي للمدينة الإنجليزية من حيث التخطيط ونوعية وجودة الحياة.
اختير المعماري والمخطط العمراني (Leon Krier) في عام (1988م) لتخطيط المدينة، والذي كان مشهور
بأعماله في مجال التخطيط والتصميم التقليدي. كان التحدي بالنسبة لـ((Leon Krier)
هي تصميم امتداد عمراني لمدينة (Dorchester) التقليدية دون حدوث خلل في التوافق المعماري
والعمراني. تم الانتهاء من التخطيط لـ(Poundbury) واعتماده رسمياُ في عام (1989م).
المفهوم التخطيطي:
تقوم فكرة المخطط العام لـ(Poundbury)
على الاعتبارات التخطيطية لاتجاه (New urbanism)، حيث تم تبني العديد من المبادئ الرئيسية للاتجاه
ضمن تخطيط المدينة، سواء من حيث التجوال (Walkability) أو من حيث الهيكل التقليدي (Traditional
Neighbourhood Structure)، بالإضافة إلى تعدد الاستخدام (Mix Land
use) و جودة الحياة والاستدامة (Sustainability
& Quality of Life). المخطط قسم المنطقة إلى أربع أجزاء تطويرية، أصبحت فيما بعد مراحل
لتنفيذ المشروع.
المرحلة
الأولى:
بدأ العمل على المرحلة الأولى في عام
(1993م)، على مساحة (7.5 هكتار)، المرحلة تضمنت إنشاء عدد (196) منزل وعدد (56)
شقة سكنية، بالإضافة إلى عدد (55) وحدة سكنية بنظام التأجير خصصت للعاملين في
القطاع التجاري للمدينة كعنصر جذب لرؤؤس الأموال والعلامات التجارية. جميع المباني
صممت بطراز تقليدي، إلا أنها اختلفت من حيث مواد البناء، حيث أن الغالب منها نفذ
بمواد حديثة وليست تقليدية. المرحلة تضمنت إنشاء ساحة (Pummery Square )
والتي كانت بمثابة مركز وسطي (Hub) للمرحلة الأولى تم وضع جميع المباني
التجارية والخدمات في نطاقها لتخدم السكان للمرحلة الأولى.
المرحلة الثانية:
تم اعتماد المخطط التفصيلي لهذه المرحلة
والبدء في المشروع في عام (1999م)، كانت الخطة هي نمو تدريجي (Growth)
خلال عشر سنوات، يتم أثنائها إيجاد (900) وحدة سكنية وتطوير (6هكتار) كخدمات
تجارية للمنطقة. تم تقسيم المخطط التفصيلي إلى (خمس قطاعات) (A,B,C,D..E)
تم تطويرها على مرحلتين المرحلة الأولى كانت للقطاعات الأربعة الأولى (A-D)
بمساحة إجمالية تقدر بـ(5.66) هكتار، بدأ العمل في هذه القطاعات في عام (2000م) وأنتهي
في عام (2004م). المرحلة شملت بناء عدد (196) وحدة سكنية. القطاع (E)
تم تطويره بشكل مستقل على مساحة تقدر بـ(7.81) هكتار، بدأ العمل في عام (2003م)
ويتوقع الانتهاء منه في عام (2017م)، المرحلة تشمل بناء عدد (338) وحدة سكنية.
المرحلة الثالثة والرابعة:
تعتبر الانطلاقة للمرحلة في عام (2011م) بعد
إن تم اعتماد المخطط التفصيلي لها. المرحلة تقوم على مساحة (44) هكتار وتعد من
أكبر المراحل، حيث من المخطط لها أن يتم إنشاء عدد(1200) وحدة سكنية، بالإضافة إلى
مدارس تتسع لعدد (600) طالب، متوقع أن يتم الانتهاء من المرحلة في عام (2022م). تم
تنفيذ (35%) من المخطط على أرض الواقع حتى اليوم.
الاعتبارات البيئية:
كما أشرنا سابقاً بأن تخطيط (Poundbury)
أعتمد على تطبيق الكثير من المفاهيم التي يتبناها اتجاه (New urbanism)
، إلا أنه أيضاً سعى نحو تحقيق توافق بيئي على مستوى عالي من خلا تبني سياسات
بيئيه، ولعل أهم هذه السياسات هي إنشاء محطة توليد الطاقة النظيفة (Rain barrow
Farm) والتي تزود الطاقة لعدد (4000) وحدة سكنية في فصل الشتاء وعدد
(56000) وحدة سكنية أثناء فترة الصيف. ويعتبر المشروع من أهم مشاريع توليد الطاقة
النظيفة على مستوى المملكة المتحدة، بالإضافة إلى أنه حاصل على جائزة التميز
لمشاريع توليد الطاقة النظيفة من المجلس البريطاني عام (2013م).
هذا بالإضافة إلى عدد من السياسات الأخرى مثل
المنازل المتوافقة مع البيئة (Eco Homes) أو استخدام الحافلات التي تعمل على
الكهرباء (Electrical
Bus).
أراء حول (Poundbury):
تعرضت (Poundbury)
لعدد من الآراء والانتقادات على طوال العقدين الماضيين ولا تزال، فبداية من
التشكيك حول إمكانية التطبيق على أرض الواقع، حيث رأى العديد من النقاد أن فكرة (Poundbury)
تعتبر فكرة حالمة وليست منطقية، خصوصاُ أن معايير التخطيط آنذاك كانت تخالف ما هو
سائد من تطور ونمو حديث إلى العودة لما هو قديم وتقليدي. ولم تكن جميع الآراء
مخالفة أو رافضة للفكرة، بل كانت هناك أراء حول (Poundbury)
موافقة لها في التوجه ومخالفه لها في المنهجية، حيث أعترض العديد من المعماريين
والمخططين على تنفيذ المباني لـ(Poundbury) بالمواد الحديثة بدلاً من استخدام المواد
التقليدية المتعارف عليها في مدينة (Dorchester)، أما البعض فيرى أن نقص الخدمات واعتماد (Poundbury)
على خدمات التعليم أو الخدمات الطبية لمدينة (Dorchester)
خطأ تخطيطي، بالرغم من أن المبرر لذلك هو أن (Poundbury)
تعتبر تجمع عمراني ينمو تدريجياً. وأي كانت الآراء عمرانية أو اجتماعية أو اقتصادية
أو حتى بيئية، فإن ذلك لا يغير من حقيقة أن (Poundbury)
تعد تجربة واقعية للنمو والتغيير العمراني، تستحق الوقوف على تفاصيلها ودراستها
كنموذج قد يغير من مفهوم النمو للمدن.