تشكل قضية الاستدامة والتوافق الإيكولوجي
محور رئيسي للمخططين العمرانيين منذ سبعينيات القرن الماضي، فالأفكار والمقترحات
تزداد مع كل تطور أو اكتشاف يلامس حياة الإنسان. من هذه المقترحات أو الاتجاهات
البيئية في التخطيط اتجاه ما يعرف بـ (New urbanism) وهو من الاتجاهات التي لاقت صدى واسع في
الأوساط التخطيطية، الاجتماعية، البيئية، الاقتصادية والصحية، لما تتضمنه من مفهوم
يسعى لتحقيق التوازن البيئي في العالم وحياة الإنسان.
المفهوم العام:
ظهر اتجاه (New urbanism)
في عام (1980م) في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يعد من المهتمين بموضوع
التوازن البيئي والفنون والتخطيط الحضري. وبالرغم من أن أمريكا تعد البلد الحاضن
لهذا التوجه بحكم المشكلات التخطيطية التي تعيشها نتيجة للتحولات الحاصلة في
مدنها، إلا أنه يمكن القول بأن الاتجاه ليس وليد اللحظة. بل عبارة عن تجديد
لمفاهيم أساسية ومعروفة سابقاً. فالمدن القديمة كانت قائمة على هذا المبدأ، إلا
أنه ومع التحولات في وسائل النقل وتطورها ومدى تأثير ذلك على الحياة الحضرية
للمدن. ظهرت هذه الأصوات التي تنادي بضرورة العودة إلى التوازن في سبيل توفير حياة
كريمة.
مبادئ الاتجاه الرئيسية:
يقوم
الاتجاه على فكرة تحسين مستوى الحياة في البيئة العمرانية من خلال استخدام عدد من
الحلول التخطيطية، من أهم هذه الحلول في هذا الاتجاه هو تقليل استخدام العربات
كوسيلة نقل أساسية داخل النطاق العمراني. وإيجاد أحياء سكنية تعتمد على حركة
المشاة (walkable)
في مقابل تقليل وسائل النقل الأخرى. بالإضافة إلى التنوع في استخدامات الأراضي (Mix Land
use) والفراغ المفتوح (Open Space) بالإضافة إلى التوازن البيئي والتنوع
البصري. ويمكن تفصيل هذه المبادئ على النحو التالي:
الأول: التجوالية (Walkability)
ويقصد بها استبدال الشوارع الأمامية
بالممرات، بمعنى أن الشارع الرئيسي لأي منزل أو حي يكون ممر خاص بالمشاة، بينما
يتم إيجاد نقاط تحميل خاصة للسيارات في مناطق خلفية وبشكل لا يتقاطع مع الممرات
أبدا. مع زراعتها والاهتمام برصفها وتأثيثها. على أن تكون جميع الخدمات ضمن نطاق
(10 دقائق) مشياً على الأقدام.
الثاني: الربط (Connectivity)
تصميم شبكة ممرات مشاه تدرجية، ابتداء
بالممرات الرئيسية ثم الثانوية والانتهاء بالأزقة. بحيث يتم الوصول إلى مكان في
المنطقة مشياً على الأقدام، دون أن يتقاطع مع مسار السيارات.
الثالث: التنوع في استعمالات الأراضي (Mix Land
use)
يقصد بتنوع استعمالات الأراضي، هو توفير جميع
الخدمات الأساسية من الخدمات ضمن نطاق الحي، محلات تجارية، مكاتب، صيدليات وعيادات
أولية..الخ. يحقق هذا التنوع في استعمالات الأراضي، تنوع أيضاً في الفئات العمرية
للحي (أطفال/شباب/شيوخ) وذلك لتوفر الخدمات المطلوبة ضمن نطاق زمني قصير. بالإضافة
إلى التنوع في السكن (فلل/شقق/إستديو).
الرابع: جودة التخطيط والتصميم المعماري
يهتم هذا المبدأ بالجمالية للفراغ العام، حيث
يؤكد الاتجاه على أن (المشي) يزيد من التفاعل البصري مع المحيط، وبالتالي ضرورة
تجميل المكان ليجد الشخص ما يجذب على ممارسة المشي. سواء من حيث المشهد المعماري
للمباني كخلفية، أو من حيث التصميم الحضري للفراغ واستيعاب السلوك الإنساني.
الخامس:الهيكل التقليدي
(Traditional Neighbourhood Structure)
تدرج من الوسط وحتى ما بعد الضواحي، يعتمد
على تقليل الارتفاع وزيادة المسافات البينية، لا يعتبر مبدأ جديد ولكنه يختلف عن
السابق ببعض الشروط الموضوعة له خصوصاُ في المدن الجديدة أو الحديثة التي يتم
تصميمها وفق هذا الاتجاه.
السادس: زيادة الكثافة: (Increased
Density)
ولا تقتصر على السكان وحسب، بل الزيادة في
عدد المباني والمحلات التجارية والخدمات والمكاتب. يقصد بزيادة الكثافة رفع مستوى
التواصل الاجتماعي من خلال زيادة العدد ضمن نطاق عمراني ذكي، ينمو تدرجياً وبيئياً
بشكل مناسب وفعال.
السابع: النقل الذكي (Smart
Transportation)
ينحصر في فكرة القطارات التي تربط المدن
بعضها ببعض لتسهيل عملية الوصولية. لكنه لا يعالج أي نقل داخل النطاق العمراني أو
الحي السكني بشكل مباشر مع الممرات.
الثامن: جودة الحياة والاستدامة (Sustainability
& Quality of Life)
تقليل الأضرار الناتجة من استخدام الوقود على
البيئة العمرانية من خلال تقنين استخدامات الطاقة، وتفعيل دور الطاقة النظيفة.
التشجيع على زيادة الإنتاج المحلي خصوصاً العضوي منه. بالإضافة إلى تعزيز القيم
الاجتماعية في الحي أو المنطقة السكنية، فالاعتماد على المشي كوسيلة نقل رئيسية
يساهم جداً في تحسين مستوى العلاقات الاجتماعية في الحي. ويزيد من نسبة التواصل
الاجتماعي خلال ساعات اليوم.
مدى إمكانية التطبيق على أرض الواقع:
يرى بعض المخططين والنقاد أن اتجاه (New urbanism)
لم يحقق الأهداف الرئيسية له على أرض الواقع، فالبرغم من النمو التدريجي لهذا
الاتجاه خلال الثلاثة عقود ماضية، إلا أن التطبيق على أرض الواقع لم يلامس أجندة
الاتجاه، والسبب في ذلك هو أن الاتجاه لا يستطيع التعامل مع المدن الكبيرة أو
المقامة سابقاً، حيث أن التغيرات العمرانية لتحقيق مفهوم الاتجاه تعتبر مستحيلة في
بعض الحالات. بالإضافة إلى أنه قد تم رصد بعض الأضرار والسلبيات الناتجة عن تطبيق
هذا المفهوم، فالعزلة الاجتماعية وارتفاع نسبة السطو والسرقة في هذه المناطق سجل
معدلات عالية مقارنة بما كان يدعوا إليه المهتمين بهذا الاتجاه. ولعل التوجه
الأخير في تقنين تطبيق هذا الاتجاه على حالات معينة كإستراتيجية تخطيطية قد زاد من
واقعية هذا الاتجاه كحل مساعد للتطبيق في المناطق العمرانية الحديثة أو الضواحي
الجديدة للمدن الأساسية.