يؤثر الفراغ في نوعية النشاط الذي يقام في
ذلك الفراغ، فمثلاً يصعب عليك لو أن طاولة مكتبك على طرف أحد حوائط الممر العام، أو أن سرير نومك ممتد
خلف أريكة صالة المعيشة. والسبب في ذلك هو أن لكل فراغ.. نشاط معين يتطلب عدد من
المتطلبات التي تميزه عن فراغ أخر، كنوعية ومسار الحركة، درجة الحرارة، شدة
الإضاءة والألوان...الخ. ومع ذلك قد تجد نفسك في كثير من الأحيان أمام فراغ لا
يتناسب مع نوعية النشاط الذي ستقوم به. والسبب قد يكون أن المصمم لم يعتني بدراسة
النشاط داخل الفراغ، أو أن الفراغ صمم من أجل نشاط أخر وتم تحويله لممارسة نشاط
مختلف. من الأمثلة على ذلك ما نراه بوضوح في معظم
المدارس المستأجرة التي يذهب
إليها أطفالنا اليوم. تلك المدارس المستأجرة والتي صممت لتكون مباني سكنية أو
إدارية..ليتم تحويلها لمدارس يقضي بها الطلاب يومهم الدراسي. والتي يرى بعض
المختصين أنها مشكلة رئيسية ليس على مستوى التصميم والسلامة للطلاب وحسب، بل أيضاً
على مستوى الفعالية التعليمية للطالب نفسه.
الفراغ التعليمي من زاوية معمارية:
يرى المعماريون أن الفراغ التعليمي مختلف عن
بقية الفراغات، لذلك كانت هناك محاولات عدة من قبل المعماريين خلال القرن الماضي
لتحسين الفراغ التعليمي وتطويره ليصل إلى ما نراه اليوم. إلا أن أهمية الفراغ
التعليمي من زاوية معمارية تكمن في توفير البيئة الملائمة للنشاط التعليمي،
فالإضاءة والتهوية والتبريد والتدفئة والجو الإبداعي والسلامة..الخ، كلها تعتبر
مبادئ تصميمية للفراغ التعليمي، يجب على المعماري الأخذ بها في عين الاعتبار قبل
وأثناء التصميم لأي فراغ تعليمي.
ثقافة المدرسة.. بين المكان والمحتوى:
يمكن القول أن مفهوم البيئة التعليمية يقوم
على عنصرين رئيسين هما المحتوى التعليمي والمكان أو الفراغ التعليمي. هذين
العنصرين يؤثران بشكل كبير على البيئة التعليمية وهيئتها، قد نتساءل عن عدم تطور
الفراغ التعليمي من منظور معماري في العالم العربي، والحقيقة أن الإجابة على هذا
التساؤل تتطلب رؤية شاملة لقضية الفراغ. الفراغ كما قلنا هو عبارة عن وعاء فيزيائي
لممارسة نشاط معين، وبالتالي فأن شكل الفراغ مرتبط بنوعية النشاط نفسه، بمعنى أنك
لو أردت تصميم ملعب كرة سلة داخلي سيختلف التصميم عن قاعة محاضرات مثلاً،
فالنشاطين مختلفين إلى حد قد يصعب التوفيق بين النشاطين في فراغ واحد، في حال
أردنا الحصول على فاعلية للنشاط نفسه بنسبة عالية. نفس الأمر كذلك بالنسبة للفراغ
التعليمي، فالمحتوى التعليمي الذي يدرسه أطفالنا اليوم قد لا يتطلب العديد من
النشاطات التعليمية الحركية التي تغير من شكل الفراغ، فالمعامل مثلاً والمكتبات
والتعليم الخارجي كلها أنشطة تعليمية لا يمكن تنفيذها ضمن فراغ لم يصمم في الأصل
لها. وبما أن معظم النشاط التعليمي في مدارسنا اليوم يقوم على حصص دراسية تفتقد
معظمها لأنشطة إضافية كالتجارب المعملية أو الحركية، نجد أن الفراغ التعليمي لم
يتطور بشكل ملحوظ كمفهوم أو متطلب، بل بالعكس أصبح الفراغ التعليمي وبسبب طبيعة
تعليم المحتوى يمكن أن يكون أي فراغ تتوفر به الشروط العامة للفراغ.