أعلنت
الهيئة العامة للإحصاء مؤخراً، أن عدد سكان مدينة الرياض تجاوز الثمانية ملايين،
مما يعني أن معدلات الطلب على الوحدات السكنية لازالت في إزدياد. إلا أن إزدياد
الطلب على المباني السكنية من قبل النشاطات التجارية والحكومية يعتبر مغرياً
لأصحاب المباني السكنية لأسباب متعددة، كإرتفاع العائد المالي، إنتظام السداد واستمرارية
شغل هذه المباني، فبلا شك هذا النوع من الطلب يقلل من المعروض المخصص للسكن ويشكل
عبء على الباحثين عن وحدات سكنية بشكل عام. ومن الطبيعي أن للملاك حرية اختيار
المستأجرين ونشاطاتهم، إلا أن هذه المباني تم ترخيصها في الأساس لتكون مباني سكنية،
وطبقت عليها إشتراطات المباني السكنية من حيث السلامة وعدد مواقف السيارات وسعة
الممرات وخلافه، فعندما يتم تغيير نشاط المبنى من سكني إلى مكتبي مثلاً، فإن
المالك يتجنب توفير (50%) من المواقف
التي تشترطها الأمانات للمباني التجارية والمكتبية، فالمبنى السكني يتطلب وجود
موقف واحد لكل وحدة سكنية بحيث لا تقل
مساحة
الوحدة السكنية عن (100م2)، بينما المباني المكتبية تتطلب وجود موقف
سيارة لكل (50م2) كحد أدنى، وبالتالي يستغل بعض المستثمرين هذا الجانب
بالحصول على رخصة بناء سكنية، ثم تحوليها إلى أغراض أخرى. فوفقاً لدراسة أعدها
الدكتور إبراهيم الجوير عام (2013م) بعنوان (دراسة لبعض العوامل المؤثرة على توافر
السكن بالمدن السعودية: حالة مدينة الرياض) ونشرتها مجلة كلية العمارة والتخطيط
جامعة الملك سعود، العدد (25)، (2013)، أشار الجوير إلى أن نسبة المباني الحكومية
والتجارية التي تستغل مباني خصصت للسكن في مدينة الرياض (23,8%) من إجمالي المباني
الحكومية والتجارية، وتشمل النسبة مباني حولت إلى مباني سكنية فندقية ومؤسسات
ومدارس ومستوصفات وغيره، بالطبع تحصل هذه المباني على رخص من جهات حكومية كالدفاع
المدني ووزارة التعليم، لكن هذه الجهات تراقب إختصاصها من حيث توفر وسائل السلامة
وسلامة المبنى وتوفر الفراغات الملائمة، إلى أنه ليس من إختصاصها التطرق لجوانب
البيئة المحيطة والتخطيط ورضى الجيران وملائمة المتطلبات العمرانية. مؤخراً قامت
الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بإخطار مستأجري وملاك المباني التي تقع على
شوارع تجارية في مدينة الرياض، والتي تستغل مباني خصصت للسكن لأغراض تجارية بوجوب
إخلاء هذه المباني وإعادتها لما خصصت له. لا شك أن هذا الإجراء سيعيد نوع من
الرتابة في الأحياء السكنية التي هجرت بسبب مزاحمة القطاع الخاص للسكان وستكون
محفزاً للملاك لترميم وتجديد مبانيهم وتأجيرها، بل إنها ستعزز من الإستفادة من
الخدمات التي وفرت لهذه الإحياء وتوفر عدد لا بأس به من المساكن. إستغلال بعض
المستثمرين لعدم وجود خطوة نظامية تحد من تغيير نشاطات هذه المساكن التي لا تتوافر
فيها متطلبات المباني المكتبية له الأثر الكبير في وجود الاختناقات المرورية
وإرباك الأحياء السكنية وتشويه المنظر العام للمدينة، أتمنى أن نوجد أنظمة تتابع
إستخدام المباني والرخص حتى بعد البناء لتجنب حدوثها مستقبلاً وحماية لحقوق السكان
المجاورين لهذه المباني وحقوق مستخدمي الطرق.