مقال لـ: م. عامر حبيب الله
كان لنا لقاء مع معماري
البيئة (ميشيل بينا) خلال زيارته لجامعة إلينوي في أوربانا شامبين في نهاية شهر
أبريل الماضي لإلقاء محاضرة عن منجزاته و أعماله المتميزة في تصميم الفراغات
المفتوحة في فرنسا. خلال اللقاء أخبرنا بينا عن فكرته التصميمية للحديقة الإسلامية
الذي تقدم به في مسابقة تصميم الحدائق المرافقة للمعرض الذي يرعاه معهد العالم
العربي في باريس. حيث كان الهدف من المسابقة تصميم حديقة شرقية معاصرة
تعكس رؤية وأهداف المعرض وتتناسب وظيفياً مع الموقع العام. شارك في المسابقة
العديد من المصممين واختير مقترح المصمم بينا كأفضل تصميم، وأعرب المصمم عن سعادته
بهذا الفوز حيث أنه لم يسبق له تصميم حديقة إسلامية من قبل وكانت هذه التجربة
ممتعة له حيث تخلل العمل في هذا المشروع إطلاع وبحث عميق عن ثقافة الحدائق
الإسلامية خاصة الحدائق المغولية والاندلسية حيث كانت مصدر الهام المصمم.
الموقع العام:
تم بناء الحديقة في
الساحة الخارجية لمبنى معهد العالم العربي في باريس المشهور بواجهته التي تتميز
بطابعها العربي بالإضافة إلى تدعيمها بتقنيات حديثة تمكن من التحكم في مستويات
الضوء والشفافية، في أسفل الساحة يوجد غرف خدمات تابعة للمبنى وهذا شكل تحدي كبير
للمصمم من ناحية مراعاة الحمل الإنشائي الذي سيضاف للموقع العام؛ ولهذا تم التعامل
مع الموقع العام على أسس ومعايير التي تستخدم عادة في بناء حدائق الأسطح.
الهدف و فكرة التصميم:
يهدف مقترح بينا بشكل
أساسي الى إظهار الهوية الإسلامية بطريقة غير تقليدية وذلك عن طريق دمج
عناصر مستوحاة من ثقافة الحدائق الإسلامية -مثل المجاري المائية والعناصر
النباتية- مع أفكار تصميمية معاصرة مثل استخدام فكرة الخداع البصري "Anamorphosis". ففي نظر المصمم، الحدائق الإسلامية تتميز بعناصرها المائية
و النباتية ؛والتي بدورها تثير الجانب الحسي عند الانسان. ويؤمن المصمم بأن أحد
العوامل المشتركة بين الثقافة الحدائقية الشرقية والغربية يتمثل في تفعيل الادراك
الحسي عند الانسان من خلال العناصر التصميمية.
مكونات المشروع:
يمكن تقسيم مكونات
المشروع الى أربعة مكونات أو عناصر رئيسية تتفاعل مع بعضها لتكون الشكل العام
للحديقة.
- العنصر
الأول: هو مسار منحدر "ramp" مرتفع يحيط الموقع العام ويلتقي
عند منصة مخصصة للرؤية تعطي أطلالة جميلة إلى الحديقة بالكامل.
- العنصر
الثاني: قناة مائية أرضية على الطراز الاسلامي تمتد من مبنى معهد العالم
العربي وتتدرج في الإرتفاع عند نقطة التقاءها مع المسار المنحدر. ويحيط
القناة المائية ثلاثة صفوف من المراكن الزراعية في كل جانب تحتوي على
نباتات مزهرة وعطرية.
- العنصر
الثالث: مجموعة من الأحواض الزراعية ذات الأشكال الهندسية المنتظمة، مرتفعة
قليلاً عن منسوب الأرض وتقع في الفراغ الداخلي المحاط بالمسار المنحدر.
وتتميز هذه الأحواض بوجود كثافة نباتية عالية تشمل نباتات مزهرة وعطرية
وأشجار الفاكهة التي تعتبر من أهم مكونات الحدائق الاسلامية.
- العنصر
الرابع: -وهو الأهم في نظرنا- الحديقة المرتفعة في قلب الموقع المصممة
بإستخدام فكرة "Anamorphosis" وهو فن الخداع البصري والذي يقوم
بالتلاعب في منظور الرؤية حيث لا يمكن التعرف على الصورة الأصلية الا من
زاوية معينة. أشتهر هذا النوع من الفنون في عصر النهضة في أوروبا وتوجد
العديد من الرسومات الفنية ثنائية الأبعاد التي تطبق هذا الفن. وتطور هذا
الفن وأصبح يطبق على رسومات ومجسمات ثلاثية الأبعاد.
قام المصمم بتشكيل نمط
إسلامي بتقنية "Anamorphic" في منظور ثلاثي
الأبعاد مكون من ٣٢ تشكيل هندسي مضلع بأحجام ونسب مختلفة مضاف إليها طبقة
نباتية مكونة من ١٢ نوع من النباتات. التشكيل العام للنمط يتكون من حوض مائي
على شكل نجمة ثمانية الأضلاع تقع في منتصف التشكيل العام على مستوى سطح الأرض تتشعب
منها ثمانية تكسيرات هندسية صغيره تتدرج في الأرتفاع وتليها ثمانية تكسيرات هندسية
بحجم أكبر والتي بدورها تشكل إطار دائري وهمي يرمز الى اللانهاية "infinite" ويحيط الشكل الدائري اطار مربع يرمز الى الأرض
والخلق. ويتفرع من الشكل المربع مجموعة أخرى من التشكيلات الهندسية والتي تعمل على
استكمال الصورة البصرية للنمط الاسلامي ولكن تقوم ايضاً بدور وظيفي كمظلة خارجية
حيث استفيد من الفراغ الخلفي بإضافة جلسات للزوار. ولكي يستطيع الزائر
مشاهدة النمط بصورة متكاملة تم تحديد زاوية الرؤية المثالية والتي تقع على منصة الرؤية
المتصلة بالمسار المنحدر حيث لايمكن رؤية النمط من أي زاوية أخرى.