2017/04/23

الفراغات الحضرية للمدن: فرص عمرانية للتصحيح

تنمو وتتوسع المدن بشكل كبير وسريع. هذا النمو والتوسع يصاحبه تفاوت بين عدد من العوامل، كزيادة عدد السكان، تطوير البنية التحتية، التطوير العقاري للمناطق خارج النطاق العمراني وغيرها من العوامل. ونتيجة لهذا التفاوت، تظهر هناك (فراغات حضرية) داخل المدن، تُمثِّل بعد عدة سنوات فرص عمرانية استثمارية ذات جدوى عالية، يمكن توظيفها لتصحيح الإطار الحضري للمدن. في ملف هذا العدد سنتناول هذا الجانب العمراني بشيء من التفصيل.

ما هي الفراغات الحضرية:
عندما تشاهد مساحات شاسعة من الأراضي البيضاء داخل المدن أو بين حي وآخر، فهذه الأراضي يمكن تسميتها بـ(الفراغ الحضري). هذا الفراغ يتكون لعدة أسباب، بعضها عمرانية، كوجود عوائق تحتاج إلى وقت وتكلفة عالية لمعالجتها، كطبوغرافية الأرض أو نوعية تربتها أو غيرها من العوائق الطبيعية. وبعضها لأسباب اقتصادية، كإحتكار الأراضي وعدم تطويرها لسنوات طويلة بهدف رفع قيمتهاوالإستثمار فيها.
وأياً كانت الأسباب وراء ظهور هذه الفراغات الحضرية، يظل السؤال المهم هو كيفية إعادة توظيف هذه الفراغات وتحقيق الاستفادة القصوى منها؟هناك عدد من السياسات التي تحاول أن تحل هذه القضية العمرانية، من هذه السياسات (تعبئة الفراغ الحضري) أو ما يُعرف بـ(Infilling Development)، وهو ما سنتناوله بشيء من التفصيل.
سياسة تعبئة الفراغ الحضري:
يمكن القول بشكل عام أن سياسة التعبئة (Infilling Development) تعني بناء الأراضي الداخلية في المدن باستعمالات جديدة، وتختلف من منطقة لأخرى بحسب الحاجة. ولا تقتصر السياسة في إطارها العام حول (الأراضي البيضاء) فقط، بل تشمل حتى المناطق القديمة أو العشوائية التي تكون فيها قيمة الأراضي عالية جداً بالمقارنة مع الاستخدام الحالي لها. تدخل سياسة (التعبئة) ضمن مفهوم التطوير العمراني (Urban Development) وتجديد المدن (Renewal City)، إلا أنه يمكن اعتبارها ذات جذور اقتصادية أكثر من كونها سياسة عمرانية. والسبب في ذلك يعود لعامل القياس للقيمة، والذي عادةً ما يدور حول (سعر الأرض) مقارنةً بـ(إستعمالات الأراضي) لمعرفة جدوى تطويرهامثلا. لذلك وضع المخططين والمختصين عدد من المحددات العامة لهذه السياسة، حفاظاً على تحقيق مصلحة متكافئة لجميع الأطراف وعدم تغليب جانب أو طرف على البقية، هذه المحددات يمكن إختصارها في ثلاث خطوات عامة، تمثل المراحل الأساسية لأخذ القرار العمراني لهذه السياسة، وهي على النحو التالي:


أولاً: تحديد الفراغات الحضرية:
تُعد هذه الخطوة الأولى والمهمة الأصعب في عملية تطبيق سياسة التعبئة للفراغات الحضرية. وسببالصعوبةيكمن في معرفةالجهاز أو الجهة التي توكل إليها عملية (التحديد) لهذه الفراغات الحضرية؟ وما هي المعايير والمتطلبات للتحديد؟. ولذلك تواجه الإدارات التطويرية المحلية للأمانات والبلديات مهمة صعبة في ذلك، إذا ما كانت الرؤية غير واضحة لسياسة التحديد، وكان قرارها (ذاتياً). ولحل هذه الإشكالية، تتجه بعض الدول نحو تطبيق سياسات ذات مستويات هرمية، تبدأ مثلاً من الإدارات الصغيرة ومجالس الأحياء. إلى أن تصل إلى الأمين أو عمدة المدينة. وهناك مثلاً اللجان التي يتم تشكيلها من عدة جهات كالبنوك، المطورين العقاريين، المخططين والمعماريين والنخبة المثقفة من سكان المدينة، والتي عادةً ما تُراجع أو تقترح هذه المناطق التي تقترحها إدارات التطوير المحلية.

ثانياً: إشراك المساهمين:
عادةً ما تكون هذه الفراغات الحضرية مملوكة لأشخاص معينين كالمستثمرين أو أحياناً للسكان. ولذلك من المهم جداً، عندما تتولى إدارات التطوير بالبلديات أو الأمانات المحلية مهمة تحديد نوعية وكيفية تنفيذ (سياسة التعبئة)، أن تُشرك هؤلاء المُلاك ضمن عملية صُنع القرار، من خلال توضيح نقاط الفائدة العائدة من خلال هذه (التعبئة). أيضاً يشمل الأمر الطرف الثالث وهو (الممول أو المستثمر)، كالبنوك أو شركات التطوير العقاري وغيرهم. وكذلك الطرف الرابع وهم المنفذين، كشركات المقاولات المتخصصة. هذا الإشراك عادةً ما يوضح العديد من النقاط المهمة قبل البدء بأخذ الإجراءات لتنفيذ سياسة التعبئة.
ثالثاً: الدراسات الأولية:
تتم هذه المرحلة بشكل مبدئي حول المواقع المحددة والمختارة. وعادةً ما تكون هذه الدراسات ضمن إطار المخطط العام الهيكلي والتنظيمي للمدينة نفسها. وتوضع الإيجابيات والسلبيات والفرص والمخاطر بشكل يمكن معه اتخاذ القرار المبدئي، نحو اعتماد الموقع وإدراجه ضمن خطة تنفيذ أو تقديم حلول عمرانية أخرى لا تتضمن التعبئة بإنشاءات أو مشاريع، والاكتفاء بتحويلها لمكان عام أو مخططات مستقبلية.
من المهم جداً تحديد (الاستخدام) الجديد بناءً على الواقع الحالي والمستقبلي. هذا التحديد يتطلب معرفة البنية التحتية ومدى قدرتها على التحمل أو شبكة الطرق والمواصلات ومدى قدرة استيعاب هذا التغيير.

لا شك أن سياسة (التعبئة) تُعد من السياسات الفعالة في تطوير وتخطيط المدن. إلا أنها تُعد سياسة ذات أبعاد خطيرة، إذا لم يتم توجيهها بالشكل الصحيح والذي يخدم كافة الأطراف بلا استثناء. هي أشبه بالفرصة الثانية لتحسين وتطوير المشهد الحضاري والتكوين العمراني للمدينة. وقد يمكن أن تُعيد صياغة الحياة للمدينة واقتصادها ومجتمعها إما إيجابياً أو سلبياً.