2017/05/29

الهجرة والتنمية: قراءة في الهجرة للبلدان العربية

تشكل هجرة السكان أحد ملامح العالم العربي إجتماعياً خلال السنوات الماضية، هذه الهجرة ساهمت في تغيير الديموغرافي للعالم العربي، وإختلال منظومة التوازن في التنمية على عدة مستويات، وعلى الرغم من ظهور العديد من الأصوات نحو الإستفادة، من هذه الأسلوب الإجتماعي لمواجهة الحياة وظروفها في إطار تنموي يعود على العالم العربي بالفائدة، إلا أن النتائج لم تكن على قدر التوقعات في أغلب الأحيان. ضمن تغطيتنا لهذا العدد سنستعرض أبرز ملامح الهجرة في العالم العربي، وأثرها على التنمية بإطارها الإقتصادي، الإجتماعي والعمراني، وماهي أبرز التوجهات المطروحة نحو تحقيق توازن تنموي يحقق نتائج مستدامة وفق المصالح المتبادلة بين الدول العربية

المفهوم العام للهجرة:
يمكن تعريف الهجرة على أنها (إنتقال الفرد من منطقة إلى منطقة أخرى) سواء كان ذلك داخل حدود البلد نفسه أو ما يعرف بـ (الهجرة الداخلية) أو خارج حدود البلد (الهجرة الخارجية)، وتختلف بذلك الأسباب الدافعة للهجرة في كلا النمطين (داخلي/خارجي)، حيث تتم الهجرة الداخلية من المناطق التي يقل فيها الطلب على العمل إلى المناطق التي تتوافر فيها فرص التوظف، أو تتوافر فيها فرص أفضل للمعيشة، والتي عادةً ما تكون من المناطق الريفية إلى المدن. فالدافع هنا دائماً يكون إقتصادي بشكل كبير وأساسي. يختلف الأمر إلى حد كبير في النمط الثاني (الهجرة الخارجية) حيث قد تكون الدوافع اقتصادية، أو سياسية مثال ذلك حالة اللاجئين في حالة الحروب أو الصراعات، الهاربين والمطاردين من قبل النظم الحاكمة في دولهم. أو قد يكون الدافع علميا، من خلال سعي الفرد إلى فرص علمية أفضل تلك المتوفرة في بلده والذي يعرف بمصطلح (نزيف العقول) (Brain Drain). وبشكل عام تتم الهجرة وفق إطارين، الأول قانوني، والأخر غير قانوني أو غير شرعي، حيث يتم من خلال تسرب المهاجر إلى البلد المقصود بطرق غير شرعية، مثل طلب الدخول بغرض الزيارة، ثم الاستمرار في البقاء داخل البلد بهدف العمل. أما عن الإطار الزمني للهجرة، فقد تتم الهجرة بشكل مؤقت وذلك حينما ينوي المهاجر الإقامة لمدة مؤقتة ثم العودة مرة أخرى إلى البلد الأم، أو قد تكون الهجرة بشكل دائم، حين لا ينوي المهاجر العودة مرة أخرى إلى بلده الأصلي.

الفرق بين الهجرة الداخلية والخارجية:
على الرغم من تقاطع الدافع الإقتصادي بين الهجرة الداخلية والخارجية، إلا أن هناك فرق جوهري بين النمطين، هذا الفرق يكمن في (حرية الإنتقال)، حيث يمكن أن ينتقل الفرد أو الأسر من مدينة إلى أخرى أو من الريف للمدينة، بمجرد أخذ القرار، والتي عادةً ما يعتمد على الأمور الإقتصادية، هذه المرونة تخفف الكثير من أعباء الهجرة على المهاجر نفسه، على الأقل من حيث الوضع القانوني والإطار الثقافي والإجتماعي وحتى الحقوق والواجبات المترتبة له كمواطن، حيث تعتمد أساسا على الخصائص الشخصية للمهاجر. يختلف الأمر بشكل جذري في الهجرة الخارجية، فهي لا تكون غالباً حرة.  وحتى في حالة كونها حرة، فأنه يتوجب على الفرد دائما أن يستوفي متطلبات الدخول إلى بلد المهجر أو سيتم إعتباره مهاجراً غير قانوني، بالإضافة إلى مشاكل عملية التكيف مع ثقافة ولغة البلد المهاجر إليه، وعملية القبول أو الرفض وفق العرق، الديانة والمستوى التعليمي والإجتماعي. وهو ما يعد أحد أهم المعايير الأساسية في اختلاف إختيار بلد عن آخر بالنسبة للمهاجر، حيث يشكل يلعب المناخ الإجتماعي، السياسي وهيكل الفرص المتاحة دوراً أساسيا في إتخاذ القرار بالهجرة. والتي تختلف بناء عليها الأهداف للمهاجر نفسه.
نظرة على الهجرة في العالم العربي
لاشك أن تقلبات النمو الإقتصادي للدول العربية في القرن العشرين، قد ساهمت بشكل كبير في عمليات الهجرة الداخلية والخارجية على حد سواء، هذه التقلبات رسمت ملامح الإطار الإقتصادي لكثير من الدول العربية على المدى الطويل. فكما أشرنا سابقاً إلى أن العوامل المختلفة تؤثر على قراءة الهجرة الداخلية والخارجية وبين آثارها على البلد المضيف والبلد المصدر، إلا أنه يمكن القول بأنه لم تصاحب هذه الحالات للهجرة أي قرارات تنموية تساهم في حل المشكلة أو حتى الإستفادة منها في إطار تنموي. فعلى سبيل المثال، لم يكن هناك إجراءات تنموية طويلة المدى لوقف الهجرة الداخلية، خصوصاً أن التركيز التنموي بمحاوره الإقتصادية، الإجتماعية والعمرانية كان منصب على المدينة العربية، ويتجاهل الريف أو القرية العربية. وعلى الرغم من التدفق للمواطنين (الهجرة الداخلية) لم تسعى الحكومات العربية نحو إيقاف هذه الهجرة لتحقيق التوازن التنموي بين الريف والمدينة، الأمر الذي أفقدها العديد من المصادر التي قد تحل العديد من المشكلات التنموية التي تواجهها اليوم.
أما على مستوى الهجرة الخارجية، فيمكن القول أنه كانت هناك حركة هجرة على نطاق واسع بين الدول العربية، وتحديداً من الدول الغير نفطية إلى الدول النفطية. فبحسب (تقرير الهجرة في البلدان العربية 2015)، يشير إلى التقرير إلى عدد من القراءات التي تعكس أرقام الهجرة العربية، حيث تشير بعض التقديرات بأن هجرة اليد العاملة إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي تحلّ في المرتبة الثالثة من حيث أعداد المهاجرين في العالم المعاصر )مباشرةً بعد هجرة اليد العاملة إلى أمريكا الشمالية وأوروبا( حيث وصل عدد المهاجرين إلى (22,357,811) مهاجر في عام (2013م)  مقابل (8,856,887) مهاجراً في عام (1990م) . ويشكل المهاجرون في بلدان مجلس التعاون الخليجي حوالى (10%) من مجموع المهاجرين في مختلف أنحاء العالم، وتحتل كلاً من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المرتبتين الرابعة والخامسة بين بلدان العالم من حيث عدد المهاجرين الوافدين.
وتُعتبر مجموعة بلدان مجلس التعاون الخليجي ذات خاصية فريدة من حيث ارتفاع نسبة المهاجرين الوافدين إلى مجموع السكان. ففي عام (2013م)، بلغت هذه النسبة (45%) من مجموع السكان، بعد أن كانت (38%) في المائة في عام (1990م). ويشكل المهاجرون المقيمون في البحرين، والكويت، وقطر، والإمارات العربية المتحدة القسم الأكبر من السكان ومن أصل مجموع المهاجرين إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي في عام (2013م)، تحتل الجالية العربية نسبة (22.5%) تتقدمهم الجالية المصرية، يليها اليمنية ثم السودانية، الأردن، فلسطين. إلا أن النسبة الأكبر من المهاجرين  (69.7%) أتوا من بلدان آسيوية، منهم (69.7%) كانوا من خمسة بلدان فقط هي بنغلاديش، الهند، اندونيسيا، باكستان والفلبين. وقد سجلت نسبة المهاجرين من المنطقة العربية إلى مجموع المهاجرين إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي تراجعاً. وإن بدت الأرقام المطلقة لعدد المهاجرين من البلدان العربية إلى هذه المجموعة شبه ثابتة، بعد أن كانت نسبة المهاجرين من بلدان عربية تشكل (77%) من مجموع المهاجرين إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي في الفترة (1995-2000م) انخفضت بنسبة (17%) في الفترة (2000-2005م) ومن ثم بنسبة (13%) في الفترة (2005-2010م).

التغيير الديموغرافي للمدينة الخليجية:
يشير (التقرير الإقليمي للهجرة الدولية العربية 2014) إلى أن المهاجرون إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي هم في الغالبية من الذكور في سن العمل. ففي عام (2013م)، بلغ عدد المهاجرين من الذكور في الفئة العمرية (15-64) سنة (14,365,316) شخص أو ما يعاد (64%) من مجموع المهاجرين، بينما لم تتجاوز نسبة المهاجرات (19&) لنفس الفئة العمرية. وهي نسبة آخذة في التراجع منذ عام (1990م)، لا سيما في الفئة العمرية (15-30) سنة، بحسب التقرير. ونتيجة لذلك، يشكل الذكور في سن العمل نسبة طاغية من مجموع سكان بلدان مجلس التعاون الخليجي.
يدلّ عدد المهاجرين وتوزيعهم من حيث العمر والجنس على حجم القوى العاملة المهاجرة من الذكور في قطاعات معيّنة من الاقتصاد، كقطاع البناء، وعلى قلة إمكانات لم شمل الأسر في بلدان مجلس التعاون الخليجي. على الرغم من تنوع فئات المهارات لهذه الجاليات. فالمهاجرين من الهند على سبيل المثال، والذين يشكلون (30%) من مجموع العاملين في بلدان مجلس التعاون الخليجي، هم من ذوو الاختصاص كالأطباء، والمهندسين والمدراء؛ والعمال شبه المهرة مثل الحرفيين، والسائقين، والعمال اليدويين؛ والعمال غير المهرة الذي يزاولون أعمالاً في قطاع البناء أو يعملون في المتاجر والمنازل والمناطق الريفية، لكن معظم هؤلاء المهاجرين يفضلون القدوم بشكل فردي وليس كأسر مستقرة.

يمكن قراءة هذه الأرقام من عدة محاور، فعلى المستوى العمراني، إرتفاع نسبة الذكور في المدن الخليجية، يتطلب معها تغيير في عدد من العناصر العمرانية للمدينة، كتوفر السكن الملائم لهذه الفئة (الغير متزوجة)، تغير نمط الوحدات السكنية ومساحاتها، وإختلافات سلوكيات التعامل مع البيئة المحيطة. فمن المعروف أن إنعكسات الممارسات لهذه الفئة قد تنعكس بشكل مباشر على البيئة العمرانية في عدة مستويات، سواء لممارسة الإستخدام أو الإستفادة من الدعم الداخلي في هذه الدول لل. أيضاً هذه النسبة تعكس جانب إقتصادي مهم، يتمثل في مفهوم (التحويلات) والتي تشكل نقطة جوهرية في إقتصاديات الهجرة، فبسبب فردية هذه العمالة وعدم وجود مسارات إستقرار عائلي لهم، تعتمد هذه الجاليات على تحويل التدفقات النقدية إلى البلد الأم، وهو ما ينعكس بشكل كبير على إطار الإستثمار الداخلي بشتى أنواعه، أضف إلى ذلك الإستفادة المباشرة من الدعم الداخلي لهذه الدول من قبل الجاليات، دون وجود محركات استثمارية لتدوير التدفقات النقدية.

نشر ضمن تغطية العدد الخامس لمجلة LAYOUT  لسنتها الثانية

المراجع

للمزيد من الإطلاع