2016/07/13

لماذا تخطيط وتصميم الأحياء السكنية؟

أنشغل المخططون والمعماريون في السنوات الماضية بالبيئة السكنية وتطويرها، كونها الشكل الأساسي لعلاقة الإنسان بهذه الأرض. فمفهوم الحي السكني اليوم وأن اعتراه بعض التعقيد، لا يزال في شكله البسيط يعكس مفهوم (التجمع السكني) بين عدد من الناس. وبالرغم من أننا اليوم نصنف هذه التجمعات السكنية إلى عدد من التصنيفات كالمدينة والقرية والحي السكني والمجمع..الخ، إلا أن العلاقة في طورها الأساسي لا تزال (تجمع سكني). في هذا العدد سنتناول مفهوم (الحي السكني) بوصفه تجمع سكني من الدرجة الأولى، وسنحاول تسليط الضوء على أهم العلاقات في الحي السكني وكيفية التعامل معها.


لماذا تخطيط وتصميم الأحياء السكنية؟
قد يكون هذا السؤال بسيط للوهلة الأولى، إلا أن الإجابة عليه تحتاج إلى النظر لما هو أبعد من السؤال. والسبب في ذلك هو أن تصميم الأحياء السكنية لا يقف على معايير ثابتة وحسب، بل يتجاوز ذلك لتلبية عدة متطلبات على مستويات مختلفة ومتغيرة في نفس الوقت، نطلق على هذه المتطلبات مصطلح (الاعتبارات).
هناك عدد من الاعتبارات التي تأثر على الحي السكني وتصميمه بل وتشغيله أيضاً، وبالرغم من عدم الاتفاق على نفس الاعتبارات لدى جميع الباحثين والمخططين بشكل أساسي، إلا أن هناك عدد من الاعتبارات الرئيسية التي تؤثر وبشكل كبير على تصميم وتخطيط الحي السكني، هذه الاعتبارات هي على النحو التالي:
الاعتبارات الاجتماعية:
وهي الاعتبارات التي تختص بالمجتمع الذي يقطن أو يسكن الحي السكني، يشكل المجتمع فارق قوي في تصميم وتخطيط الحي السكني، حيث ثقافة وخلفية المجتمع تعتبر معياراً مهم في تشكيل ملامح التخطيط والتصميم، سواء من حيث المستوى التخطيطي أو سواء من حيث المستوى المعماري والاقتصادي كالوحدات السكنية وتصاميمها، بالإضافة إلى الاعتبارات الأخرى كالسلوك والتقاليد والعادات ومستوى التعليم والثقافة، بل وحتى أنشطة العمل. ولذلك تختلف الأحياء السكنية من منطقة لأخرى أو من بلد لآخر. وذلك مشاهد في الكثير من المدن والمناطق حول العالم، وإن كان يساهم في ذلك اعتبارات أخرى كالاعتبار الاقتصادي.


الاعتبارات الاقتصادية:
وتعد من الاعتبارات المهمة في تصميم وتخطيط الحي السكني، فالدخل للفرد والقيمة الفعلية للمنطقة، بالإضافة إلى الخدمات والبني التحتية كلها تشكل فارق في الاعتبار الاقتصادي، يعتقد البعض أن الاعتبار الاقتصادي يقتصر على دخل الفرد ومستواه المعيشي، وبالرغم من أن هذا جانب رئيسي، إلا أن هناك جوانب أخرى تشكل مفهوم هذا الاعتبار المهم، لعل أهم هذه الجوانب هو التحولات الاقتصادية التي يمكن أن تطرأ في الأحياء السكنية، سواء من حيث قيمة العقار أو الخدمات، وهو ما يمكن أن يشكل فارقاً مهماً في التصميم والتخطيط والذي يمكن أن يعزل الحي السكني عن بقية الأحياء السكنية إما لتدني مستواه أو لارتفاع سعره. وفي كلا الحالتين يعد هذا التفاوت فشل في التخطيط للحي السكني.
الاعتبارات البيئية:
ظهر هذا الاعتبار مؤخراً، بعد إتجاه العالم نحو الاستدامة والمحافظة على البيئة، وبالرغم من أهمية هذه الاعتبار إلى أن تطبيقه على أرض الواقع لا تزال بعيدة عن المستوى المطلوب، فالاعتبار البيئي ليس مجرد إقحام لمناطق خضراء وزراعية داخلة الأحياء السكنية، بقدر ما هو الحد من الأضرار المترتبة من إنشاء حي سكني جديد على هذه الأرض، ولذلك كانت الاعتبارات الثانوية مثل تقليل الاعتماد على حركة السيارات كوسائل نقل وتحفيز المشي تعد من الاعتبارات البيئية المهمة في تصميم وتخطيط الأحياء السكنية.
الاعتبارات الفيزيائية (العمرانية)
ويصنفها البعض على أنها الاعتبارات التخطيطية أو العمرانية، كونها تتعلق مباشرة بالوعاء الفيزيائي العمراني للحي السكنية سواء من حيث التصميم والتخطيط في البعد الثنائي أو في البعد الثلاثي، ويندرج تحت هذا الاعتبار العديد من النقاط المهمة كالتنوع والجمال والملائمة والسلامة ..الخ، وتعتبر الاعتبارات الفيزيائية من أخر الاعتبارات التي يتم إدراجها ضمن مرحلة التصميم والتخطيط، كونها تعلب دور الضابط للاعتبارات السابقة وتجسدها ضمن الإطار الفيزيائي لها على أرض الواقع.


تفاعل هذه الاعتبارات:
تكمن أهمية التخطيط والتصميم للأحياء السكنية في القدرة على تنظيم وصقل هذه الاعتبارات ضمن مخطط واضح ويمكن تنفيذه. هذا التنظيم عادة ما يمر بعدد من المراحل التي تشكل نقاط أساسية في التصميم، ابتداء من جمع البيانات والمعلومات وتحليليها مروراً بتحديد الهداف والإستراتيجيات وانتهاء بمشاركة المجتمع وأخذ آراءه قبل تحويلها إلى مخططات رسمية يتم التنفيذ بناء عليها. ولعله يمكن القول بأن هذه المرحلة تعد من أهم المراحل على الإطلاق في تصميم الحي السكني، كون ما سيق جمع وتحليله من معلومات أو وضعه ن أهداف، إذا لم يتم تحويله إلى مخطط وسياسات عمرانية واضحة فأن الحي السكني لن يكون بالتصور المطلوب أو المراد منه، ولذلك أهمية التصميم والتخطيط للحي السكني لا تقل عن أهمية تنفيذه على أرض الواقع. فاليوم نحن نسعى إلى إيجاد بيئة سكنية راقية وذات توازن اجتماع واقتصادي وبيئي وفيزيائي.